في قراءة تحليلية يقدّمها عمرو حمزاوي وناثان براون، يتناول الكاتبان تحوّلًا لافتًا في سلوك الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث عاد الحديث عن العمل العربي المشترك بعد عقود من التآكل والانقسام. يناقش التحليل ما إذا كان هذا التحوّل يعكس مسارًا حقيقيًا نحو تعددية عربية أكثر فاعلية، أم أنه مجرّد استجابة ظرفية لأزمات إقليمية متراكمة.
يرصد التحليل الذي نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تطورات النظم السياسية العربية وأنماط التعاون الإقليمي في سياق التحولات الدولية الأوسع.
عودة الخطاب التعددي العربي
يعرض الكاتبان كيف أعادت أزمات كبرى، مثل الحروب الإقليمية وتراجع الاهتمام الدولي بالمنطقة، إحياء خطاب التنسيق العربي. تتحرّك دول عربية عدة اليوم بدافع القلق من الفراغ الاستراتيجي، وتسعى إلى تنسيق مواقفها في ملفات الأمن، والطاقة، والاقتصاد. لا يقوم هذا التوجّه على إحياء مؤسسات العمل العربي التقليدية بقدر ما يعتمد على صيغ مرنة، مثل التفاهمات الثنائية والمتعددة خارج الأطر الرسمية الثقيلة.
يرى حمزاوي وبراون أن هذا النمط يعكس براغماتية جديدة، حيث تبحث الدول عن نتائج ملموسة بدل الاكتفاء بالشعارات. لكنهما يحذّران من المبالغة في التفاؤل، لأن هذا الخطاب لا يعني بالضرورة وجود رؤية مشتركة طويلة المدى.
حدود التنسيق في ظل تضارب المصالح
يشرح التحليل أن التعددية العربية الناشئة تصطدم سريعًا بتناقضات بنيوية. تختلف أولويات الدول العربية حول قضايا محورية مثل العلاقة مع القوى الدولية، وإدارة الصراعات الإقليمية، ومستقبل الحكم في المنطقة. يدفع هذا التباين بعض الدول إلى استخدام التنسيق كأداة تكتيكية لتعزيز موقعها التفاوضي، لا كمشروع جماعي متكامل.
يوضح الكاتبان أن غياب الثقة المتراكمة، وضعف المؤسسات الإقليمية، يجعلان أي تعاون عرضة للتفكك عند أول اختبار حقيقي. لذلك، يظهر العمل العربي المشترك في صور متقطعة، يتحرّك مع الأزمة ويتراجع بانحسارها.
هل يتحول المسار إلى مشروع مستدام؟
يخلص التحليل إلى أن مستقبل التعددية العربية يرتبط بقدرة الدول على تحويل التنسيق الظرفي إلى قواعد ثابتة للتعاون. يتطلّب ذلك الاتفاق على حد أدنى من المصالح المشتركة، وبناء آليات متابعة وتنفيذ، بدل الاكتفاء بالبيانات السياسية.
يرى حمزاوي وبراون أن البيئة الدولية المضطربة قد تدفع بعض العواصم العربية إلى تعميق التعاون، خاصة مع تراجع المظلّات التقليدية. لكنهما يؤكدان أن هذا الاحتمال يظل هشًا، ما دامت الأنظمة العربية تفضّل الحفاظ على حرية الحركة الفردية على حساب الالتزام الجماعي.
في المحصلة، يقدّم التحليل صورة واقعية لا رومانسية: العالم العربي يجرّب مجددًا لغة العمل المشترك، لكنه لم يحسم بعد ما إذا كان مستعدًا لدفع كلفة تحويل هذه اللغة إلى ممارسة سياسية دائمة.
https://carnegie-production-assets.s3.amazonaws.com/static/files/Hamzawy_Brown%20-%20Arab%20Multilateralism_final.pdf

